أذكر أنه مرة كنت في الحرم المدني مع رجل عجوز - تونسي.. ذاهبين لأداء صلاة المغرب..و من خروجنا من الفندق الى وصولنا للحرم و الناس توزع علينا التمر.. و لما وصلنا ساحة الحرم.. أقبل علينا ولد صغير.. عمره 12 أو 14 سنة.. قال لنا: بالله عليكم تعالوا معي لسفرتنا..(أي لأستضيفكم في المكان المخصص لنا لنطعم فيه الصائمين).. فوافقنا و ذهبنا معه.. و كل مرة يأتينا أحدهم ليحاول أن "يختطفنا" من الولد.. فيمسك الولد على أيدينا بشدة و يقول: بالله عليكم هم عندهم ضيوف.. أنا من ساعة وأنا أبحث عن ضيف.. بالله ابقوا معي.. فيه تمر و كذا و كذا.."
سبحان الله الناس تتخاطفنا لتطعمنا؟!!!! بل أن أحدهم كان مستعدا "ليرفع صوته" حتى يخيف الولد ليحول وجهتنا الى سفرته.. و كل واحد منهم كانت له حيلته في استدراجنا.. لكن الولد تمسك بنا و لم يترك المجال لأحد..
أول ما وصلنا "السفرة" وهي في آخر الحرم..وجدنا أبوه في انتظارنا.. و اخوته.. ثم عرفنا أنهم يوزعون المهام عليهم كل رمضان.. و هذا حال أغلب العائلات هناك: الأم تجهز الأكل.. الأولاد الصغار يأتون بالناس..الكبار يوزعون عليهم التمر و اللبن و الحلوى و الأب يشرف على الطاولة و يستقبل الضيوف.. هكذا حالهم من أول يوم الى آخر يوم من رمضان!
يومها بكى الشيخ أحمد الذي كان معي و هو خضّار من باب سويقة عمره تجاوز السبعين..قلت له مابك: قال أبكي على السنوات التي مضت من عمري.. ماذا فعلت لآخرتي؟ هؤلاء الذين يصلّون كل صلاة بألف يفعلون هذا.. والله كان أحرى بنا أن نخدمهم.. أوليسوا أحفاد الأنصار و أحفاد الرسول صلى الله عليه و سلم؟ أيخدموننا هم؟ حتى من العيب عيب..و من يومها و العم أحمد لا يدخل الحرم الا و هو محملا بالتمر.. يوزع على الأطفال.. و "يعطس" (أي "يشخط") على كل من يحاول تغيير وجهة "الصائم"..أترككم الآن. و السلام عليكم و رحمة الله.اللهم اكتب لجميعنا عمرات و حجّات..
0 commentaires
إرسال تعليق