الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وبعد :
فئةٌ موفَّقة, وجوههم مشرقة, وأوقاتهم مباركة فإن كنت منهم فاحمد الله على فضله, وإن لم تكن من جملتهم فدعواتي لك أن تلحق بركبهم, أتدري من هم ؟ :
إنهم أهل الفجر, قوم يحرصون على أداء هذه الفريضة, ويعتنون بهذه الشعيرة, يستقبل بها أحدهم يومه, ويستفتح بها نهاره, والقائمون بها تشهد لهم الملائكة , من أداها مع الجماعة فكأنما صلى الليل كله ...
إنها صلاة الفجر التي سمَّاها الله قرآناً فقال جلَّ وعزَّ : ((وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا))(الإسراء: 78).
المحافظة عليها من أسباب دخول الجنة , والوضوء لها كم فيه من درجة , والمشي إليها كم فيه من حسنة , والوقت بعدها تنزل فيه البركة , قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((اللهمَّ باركْ لأمَّتي في بُكُورهَا)).
أهل الفجر : الذين أجابوا داعي الله وهو ينادي: (حيَّ على الصَّلاة , حيَّ على الفلاح) , فسلام على هؤلاء القوم, حين استلهموا (الصَّلاة خيرٌ من النوم) ,واستشعروا معاني العبودية, فاستقبلتهم سعادة الأيام تبشرهم وتثبتهم, قال صلى الله عليه وسلم: ((بشِّرِ المشَّائينَ في الظُّلَمِ إلى المسَاجدِ بالنُّورِ التَّامِّ يومَ القِيامَة)).
يا أهل الفجر : لقد فزتم بعظيم الأجر , فلا تغبطوا أهل الشهوات والحظوظ العاجلة فماعندهم – والله– ما يُغبطون عليه, بل بفضل وبرحمته فاغتبطوا , وإيَّاه على إعانتكم فاشكروا , وإليه فتوجهوا, يقول رسول الله : ((مَنْ صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّمَا قَامَ نصفَ الليلِ , ومَن صلَّى الصُّبحَ في جماعةٍ فكأنَّما صلَّى الليلَ كُلَّه)).
يا أهل الفجر : هنيئاً لكم أن تتمتعوا بالنظر إلى وجه الله الكريم في الجنة قال صلى الله عليه وسلم : ((إنَّكم سترونَ ربَّكمْ كمَا تَرونَ هذا القَمرَ لا تُضامونَ في رؤيتِهِ , فإنِ استطعتمْ ألا تُغلبوا عَلَى صلاةٍ قبلَ طلوعِ الشَّمسِ وقبلَ غروبِها فافعلُوا ثمَّ قَرَأَ : ((وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ)).
يا أهل الفجر: ألا ترضون أن يذهب الناس بالأموال والزَّوجات, وترجعون أنتم بالبركة في الأوقات, والنشاط وطِيب النفس وأنواع الهدايات , ودخول الجنات ونزول الرحمات.
قال صلى الله عليه وسلم : ((مَن صلَّى البُرْدَيْنِ دَخلَ الجنَّة)).
والبردان : صلاة الفجر والعصر, وقال صلى الله عليه وسلم : ((لَن يَلِجَ النَّارَ أحدٌ صلَّى قبلَ طلوعِ الشَّمسِ وقبلَ غروبِها)). والمراد بهذا صلاة الفجر وصلاة العصر .
يا أهل الفجر: أنتم محفوظون بحفظ الله , أنفسكم طيِّبة , وأجسادكم نشيطة , يقول صلى الله عليه وسلم : ((مَن صلَّى الصُّبحَ فهُو في ذِمَّةِ الله)).
وقال صلى الله عليه وسلم : ((يعقدُ الشَّيطان عَلى قافيةِ رأسِ أحدِكم إذَا هوَ نامَ ثلاثَ عقدٍ , يضربُ عَلى كلِّ عقدةٍ عليكَ ليلٌ طويلٌ فارْقُدْ , فإنِ استيقظَ فذكرَ اللهَ انحلَّتْ عقدةٌ, فإنْ توضَّأَ انحلَّتْ عقدةٌ , فإنْ صلَّى انحلَّتْ عقدةٌ فأصبحَ نشيطاً طيِّبَ النَّفسِ, وإلا أصبَحَ خبيثَ النَّفسِ كَسلان)).
يا أهل الفجر : كفاكم شرفاً شهادةُ ملائكة الرَّحمن لكم , قال صلى الله عليه وسلم : ((يتعاقبونَ فيكُم ملائكةٌ بالليلِ وملائكةٌ بالنَّهار , ويجتمعونَ في صلاةِ الفجرِ وصلاةِ العصرِ , ثمَّ يعرُجُ الذينَ باتُوا فيكُم فيسألُهم ربُّهم – وهوَ أعلمَ بِهم – كيفَ تركتُم عبادِي ؟ فيقولونَ : تركناهُم وهُم يُصلُّون , وأتينَاهُم وهُم يُصلُّون)).
يا أهل الفجر: خاصَّةً, ويا مَن تحافظون على صلاة الجماعة عامَّةً : أبشروا, فوضوؤكم درجات, وممشاكم إلى المسجد حسنات, وجلوسكم فيه رحمات من ربكم وصلوات : ((مَن غَدَا إلى المسجدِ أوْ راحَ أعدَّ اللهُ لهُ في الجنَّةِ نُزُلاً كلَّما غَدَا أوْ رَاح)).
وقال صلى الله عليه وسلم : ((صلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفَذِّ بسبعٍ وعشرينَ درجةً, وذلكَ أنَّه إذا توضَّأَ فأحسنَ الوضوءَ ثمَّ خرجَ إلى المسجدِ لا يُخرجه إلا الصَّلاة لم يَخْطُ خطوةً إلا رُفعت له بها درجة وحُطَّت عنه بها خطيئة , فإذا صلَّى لم تَزَلِ الملائكةُ تصلِّي عليه ما دام في صَلاة : اللهمَّ صلِّ عليه, اللهمَّ ارْحمهُ , ولا يزالُ في صلاةٍ ما انتظر الصَّلاةَ )) .
وفي رواية : ((اللهمَّ اغفرْ لهُ, اللهمَّ تُبْ عليهِ, مَا لمْ يُؤْذِ فيه, مَا لمْ يُحْدِثْ فِيه)) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((ألاَ أدلُّكم على ما يَمحو الله بِه الخطَايا, ويرفعُ به الدَّرجات ؟ قالوا : بلَى يا رسولَ الله . قال : إسباغُ الوضوءِ عَلى المكارِه, وكثرةُ الخُطَا إلى المسَاجدِ, وانتظارُ الصَّلاة بعد الصَّلاة, فذلكُمُ الرِّباط فذلكُمُ الرِّبَاط )).
فسلامٌ على المحافظين على صلاة الفجر, حين تركوا السَّهر, وودَّعوا السَّمر, وفازوا بعظيم الأجر, ترى الواحد من هؤلاء يستعدُّ لها من الليل بالساعة المنبِّهة, والوضوء والأوراد المتنوعة, وإذا خشي فوات القيام لها وصَّى أحداً يوقظه, وقبل هذا كله إحساس الإيمان الذي يعمر قلبه, فحتى لو عرض له أمرٌ فتأخر عن النوم مرَّةً وجدته عند الصلاة يهبُّ من نومه فزعاً إليها, مبادراً بأدائها,فللَّه درُّهم حين صلُّوا صلاة الفجر لميقاتها, فحفظوا وقتها, وداموا عليها, وفازوا بأحب عمل إلى الله عزوجل.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ((سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم : أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله عزوجل ؟ قال : الصَّلاةُ عَلى وقتِها ...)).
أولئك هم الرِّجال حقَّاً, والمؤمنون صدقاً, قال ربُّنا جلَّ وعَلا: ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال*رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)) (النور:36-38).
أمَّا مَن ضيَّعوا الصلاة وتهاونوا بها وأخَّروها عن وقتها فيا ليت شعري لو يعلمون ماذا تحمَّلوا من الوِزر ؟ وماذا فاتهم من الأجر ؟
قال تعالى:((فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)) (الماعون:5,4) .
وقال تعالى : (( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا)) ( مريم : 59 ,60) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((إنَّ أوَّل مَا يُحاسبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ مِن عملهِ صلاتُهُ , فإنْ صَلُحَتْ فقدْ أفلحَ وَنَجَح , وإنْ فَسدتْ فقد خابَ وخَسِرَ..)).
أيُّها المضيِّع لصلاة الجماعة ولا سيَّما صلاة الفجر , أفمَا لك همَّةٌ ترتفع بها لتكون مع مَن سبق الثَّناء عليهم والإشادة بهم , لماذا تجعل للشيطان عليك سبيلا ؟ ولماذا ترضى أن يبول في أذنيك ؟ فقد ذُكِرَ رجلٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نام ليلةً حتى أصبح فقال : ((ذَاكَ رجلٌ بالَ الشَّيطانُ في أُذُنيهِ)).
أيُّها الأخ :
تذكَّر وأنت تتنعَّم بلذيذ المنام, ما يعقب ذلك من حسرةٍ وألمٍ, ويكفيك قوله صلى الله عليه وسلم : ((أصبَحَ خبيثَ النَّفسِ كَسلان)) .
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الرُّؤيا : ((وأمَّا الرَّجلُ الذي يَثْلَغُ رأسَهُ بالحجَرِ فإنَّه يأخذُ القُرآنَ فيرفُضُهُ , وينامُ عنِ الصَّلاةِ المكتوبةِ)).
فحين تلذَّذ بالنوم عن الصَّلاة جُوزيَ بأن يرضَّ رأسه بالحجارة, والجزاء من جنس العمل .
ألا فالْحق بأهل الفجر؛ لكي تكون في ذمَّة الله, ولِتُكتب في ديوان الأبرار , وتحصل لك السعادة والنور, وتُمحى من صحيفة النِّفاق, يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((ليسَ صلاةٌ أثقل عَلى المنافقينَ من صلاةِ الفجرِ والعشاءِ , ولَو يعلمونَ ما فيهمَا لأتَوْهُما ولو حَبْوَاً)).
يَا أخي : حاسب نفسك , واصدق مع ربك, واستفتح يومك بتوبةٍ تمحو ما سلف منك, وتذكر نِعَمَ الله عليك , واسأل الله دائماً أن يعينك, واحذر السَّهر فهو سببٌ رئيسٌ لفَوَات فريضة الفجر, وابذل مع هذا من الأسباب ما يكون لك عوناً بإذن الله : بأن تنام على طهارة وقد قرأت أذكار النوم, وجعلت الساعة المنبهة عندك, فإن خفت مع هذا ألاَّ تقوم فأوصِ بعض أهلك أو جيرانك بالاتصال عليك وإيقاظك, وإذا استيقظت فاذكر الله مباشرة, وانهض من فراشك بسرعة, ولا تتململ فيه أو يوحي لك الشيطان بأن تستريح قليلاً , فهذا مدخل من مداخله, وابتعد عن المعاصي والذنوب ولا سيما النظر المحرَّم, فإن المعصية سببٌ لحرمان الطاعة, وكن ذا عزيمةٍ قوية, وتذكر ثواب المسارعين على المساجد الذين تعلقت قلوبهم بها وأكثَروا من التردُّد عليها فهم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظله, وهم السعداء الموفَّقون في الدنيا, وأهل الجنة في الآخرة , قال صلى الله عليه وسلم : (( ثلاثةٌ كلهمْ ضامنٌ على الله إنْ عاشَ رُزِقَ وَكُفِيَ , وإنْ ماتَ أدخلهُ الله الجنَّةَ , ومنهمْ : مَن خرجَ إلى المسجدِ فهو ضامنٌ علَى الله )).
يا أهل الفجر؟!
فئةٌ موفَّقة, وجوههم مشرقة, وأوقاتهم مباركة فإن كنت منهم فاحمد الله على فضله, وإن لم تكن من جملتهم فدعواتي لك أن تلحق بركبهم, أتدري من هم ؟ :
إنهم أهل الفجر, قوم يحرصون على أداء هذه الفريضة, ويعتنون بهذه الشعيرة, يستقبل بها أحدهم يومه, ويستفتح بها نهاره, والقائمون بها تشهد لهم الملائكة , من أداها مع الجماعة فكأنما صلى الليل كله ...
إنها صلاة الفجر التي سمَّاها الله قرآناً فقال جلَّ وعزَّ : ((وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا))(الإسراء: 78).
المحافظة عليها من أسباب دخول الجنة , والوضوء لها كم فيه من درجة , والمشي إليها كم فيه من حسنة , والوقت بعدها تنزل فيه البركة , قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((اللهمَّ باركْ لأمَّتي في بُكُورهَا)).
أهل الفجر : الذين أجابوا داعي الله وهو ينادي: (حيَّ على الصَّلاة , حيَّ على الفلاح) , فسلام على هؤلاء القوم, حين استلهموا (الصَّلاة خيرٌ من النوم) ,واستشعروا معاني العبودية, فاستقبلتهم سعادة الأيام تبشرهم وتثبتهم, قال صلى الله عليه وسلم: ((بشِّرِ المشَّائينَ في الظُّلَمِ إلى المسَاجدِ بالنُّورِ التَّامِّ يومَ القِيامَة)).
يا أهل الفجر : لقد فزتم بعظيم الأجر , فلا تغبطوا أهل الشهوات والحظوظ العاجلة فماعندهم – والله– ما يُغبطون عليه, بل بفضل وبرحمته فاغتبطوا , وإيَّاه على إعانتكم فاشكروا , وإليه فتوجهوا, يقول رسول الله : ((مَنْ صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّمَا قَامَ نصفَ الليلِ , ومَن صلَّى الصُّبحَ في جماعةٍ فكأنَّما صلَّى الليلَ كُلَّه)).
يا أهل الفجر : هنيئاً لكم أن تتمتعوا بالنظر إلى وجه الله الكريم في الجنة قال صلى الله عليه وسلم : ((إنَّكم سترونَ ربَّكمْ كمَا تَرونَ هذا القَمرَ لا تُضامونَ في رؤيتِهِ , فإنِ استطعتمْ ألا تُغلبوا عَلَى صلاةٍ قبلَ طلوعِ الشَّمسِ وقبلَ غروبِها فافعلُوا ثمَّ قَرَأَ : ((وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ)).
يا أهل الفجر: ألا ترضون أن يذهب الناس بالأموال والزَّوجات, وترجعون أنتم بالبركة في الأوقات, والنشاط وطِيب النفس وأنواع الهدايات , ودخول الجنات ونزول الرحمات.
قال صلى الله عليه وسلم : ((مَن صلَّى البُرْدَيْنِ دَخلَ الجنَّة)).
والبردان : صلاة الفجر والعصر, وقال صلى الله عليه وسلم : ((لَن يَلِجَ النَّارَ أحدٌ صلَّى قبلَ طلوعِ الشَّمسِ وقبلَ غروبِها)). والمراد بهذا صلاة الفجر وصلاة العصر .
يا أهل الفجر: أنتم محفوظون بحفظ الله , أنفسكم طيِّبة , وأجسادكم نشيطة , يقول صلى الله عليه وسلم : ((مَن صلَّى الصُّبحَ فهُو في ذِمَّةِ الله)).
وقال صلى الله عليه وسلم : ((يعقدُ الشَّيطان عَلى قافيةِ رأسِ أحدِكم إذَا هوَ نامَ ثلاثَ عقدٍ , يضربُ عَلى كلِّ عقدةٍ عليكَ ليلٌ طويلٌ فارْقُدْ , فإنِ استيقظَ فذكرَ اللهَ انحلَّتْ عقدةٌ, فإنْ توضَّأَ انحلَّتْ عقدةٌ , فإنْ صلَّى انحلَّتْ عقدةٌ فأصبحَ نشيطاً طيِّبَ النَّفسِ, وإلا أصبَحَ خبيثَ النَّفسِ كَسلان)).
يا أهل الفجر : كفاكم شرفاً شهادةُ ملائكة الرَّحمن لكم , قال صلى الله عليه وسلم : ((يتعاقبونَ فيكُم ملائكةٌ بالليلِ وملائكةٌ بالنَّهار , ويجتمعونَ في صلاةِ الفجرِ وصلاةِ العصرِ , ثمَّ يعرُجُ الذينَ باتُوا فيكُم فيسألُهم ربُّهم – وهوَ أعلمَ بِهم – كيفَ تركتُم عبادِي ؟ فيقولونَ : تركناهُم وهُم يُصلُّون , وأتينَاهُم وهُم يُصلُّون)).
يا أهل الفجر: خاصَّةً, ويا مَن تحافظون على صلاة الجماعة عامَّةً : أبشروا, فوضوؤكم درجات, وممشاكم إلى المسجد حسنات, وجلوسكم فيه رحمات من ربكم وصلوات : ((مَن غَدَا إلى المسجدِ أوْ راحَ أعدَّ اللهُ لهُ في الجنَّةِ نُزُلاً كلَّما غَدَا أوْ رَاح)).
وقال صلى الله عليه وسلم : ((صلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفَذِّ بسبعٍ وعشرينَ درجةً, وذلكَ أنَّه إذا توضَّأَ فأحسنَ الوضوءَ ثمَّ خرجَ إلى المسجدِ لا يُخرجه إلا الصَّلاة لم يَخْطُ خطوةً إلا رُفعت له بها درجة وحُطَّت عنه بها خطيئة , فإذا صلَّى لم تَزَلِ الملائكةُ تصلِّي عليه ما دام في صَلاة : اللهمَّ صلِّ عليه, اللهمَّ ارْحمهُ , ولا يزالُ في صلاةٍ ما انتظر الصَّلاةَ )) .
وفي رواية : ((اللهمَّ اغفرْ لهُ, اللهمَّ تُبْ عليهِ, مَا لمْ يُؤْذِ فيه, مَا لمْ يُحْدِثْ فِيه)) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((ألاَ أدلُّكم على ما يَمحو الله بِه الخطَايا, ويرفعُ به الدَّرجات ؟ قالوا : بلَى يا رسولَ الله . قال : إسباغُ الوضوءِ عَلى المكارِه, وكثرةُ الخُطَا إلى المسَاجدِ, وانتظارُ الصَّلاة بعد الصَّلاة, فذلكُمُ الرِّباط فذلكُمُ الرِّبَاط )).
فسلامٌ على المحافظين على صلاة الفجر, حين تركوا السَّهر, وودَّعوا السَّمر, وفازوا بعظيم الأجر, ترى الواحد من هؤلاء يستعدُّ لها من الليل بالساعة المنبِّهة, والوضوء والأوراد المتنوعة, وإذا خشي فوات القيام لها وصَّى أحداً يوقظه, وقبل هذا كله إحساس الإيمان الذي يعمر قلبه, فحتى لو عرض له أمرٌ فتأخر عن النوم مرَّةً وجدته عند الصلاة يهبُّ من نومه فزعاً إليها, مبادراً بأدائها,فللَّه درُّهم حين صلُّوا صلاة الفجر لميقاتها, فحفظوا وقتها, وداموا عليها, وفازوا بأحب عمل إلى الله عزوجل.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ((سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم : أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله عزوجل ؟ قال : الصَّلاةُ عَلى وقتِها ...)).
أولئك هم الرِّجال حقَّاً, والمؤمنون صدقاً, قال ربُّنا جلَّ وعَلا: ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال*رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)) (النور:36-38).
أمَّا مَن ضيَّعوا الصلاة وتهاونوا بها وأخَّروها عن وقتها فيا ليت شعري لو يعلمون ماذا تحمَّلوا من الوِزر ؟ وماذا فاتهم من الأجر ؟
قال تعالى:((فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)) (الماعون:5,4) .
وقال تعالى : (( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا)) ( مريم : 59 ,60) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((إنَّ أوَّل مَا يُحاسبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ مِن عملهِ صلاتُهُ , فإنْ صَلُحَتْ فقدْ أفلحَ وَنَجَح , وإنْ فَسدتْ فقد خابَ وخَسِرَ..)).
أيُّها المضيِّع لصلاة الجماعة ولا سيَّما صلاة الفجر , أفمَا لك همَّةٌ ترتفع بها لتكون مع مَن سبق الثَّناء عليهم والإشادة بهم , لماذا تجعل للشيطان عليك سبيلا ؟ ولماذا ترضى أن يبول في أذنيك ؟ فقد ذُكِرَ رجلٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نام ليلةً حتى أصبح فقال : ((ذَاكَ رجلٌ بالَ الشَّيطانُ في أُذُنيهِ)).
أيُّها الأخ :
تذكَّر وأنت تتنعَّم بلذيذ المنام, ما يعقب ذلك من حسرةٍ وألمٍ, ويكفيك قوله صلى الله عليه وسلم : ((أصبَحَ خبيثَ النَّفسِ كَسلان)) .
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الرُّؤيا : ((وأمَّا الرَّجلُ الذي يَثْلَغُ رأسَهُ بالحجَرِ فإنَّه يأخذُ القُرآنَ فيرفُضُهُ , وينامُ عنِ الصَّلاةِ المكتوبةِ)).
فحين تلذَّذ بالنوم عن الصَّلاة جُوزيَ بأن يرضَّ رأسه بالحجارة, والجزاء من جنس العمل .
ألا فالْحق بأهل الفجر؛ لكي تكون في ذمَّة الله, ولِتُكتب في ديوان الأبرار , وتحصل لك السعادة والنور, وتُمحى من صحيفة النِّفاق, يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((ليسَ صلاةٌ أثقل عَلى المنافقينَ من صلاةِ الفجرِ والعشاءِ , ولَو يعلمونَ ما فيهمَا لأتَوْهُما ولو حَبْوَاً)).
يَا أخي : حاسب نفسك , واصدق مع ربك, واستفتح يومك بتوبةٍ تمحو ما سلف منك, وتذكر نِعَمَ الله عليك , واسأل الله دائماً أن يعينك, واحذر السَّهر فهو سببٌ رئيسٌ لفَوَات فريضة الفجر, وابذل مع هذا من الأسباب ما يكون لك عوناً بإذن الله : بأن تنام على طهارة وقد قرأت أذكار النوم, وجعلت الساعة المنبهة عندك, فإن خفت مع هذا ألاَّ تقوم فأوصِ بعض أهلك أو جيرانك بالاتصال عليك وإيقاظك, وإذا استيقظت فاذكر الله مباشرة, وانهض من فراشك بسرعة, ولا تتململ فيه أو يوحي لك الشيطان بأن تستريح قليلاً , فهذا مدخل من مداخله, وابتعد عن المعاصي والذنوب ولا سيما النظر المحرَّم, فإن المعصية سببٌ لحرمان الطاعة, وكن ذا عزيمةٍ قوية, وتذكر ثواب المسارعين على المساجد الذين تعلقت قلوبهم بها وأكثَروا من التردُّد عليها فهم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظله, وهم السعداء الموفَّقون في الدنيا, وأهل الجنة في الآخرة , قال صلى الله عليه وسلم : (( ثلاثةٌ كلهمْ ضامنٌ على الله إنْ عاشَ رُزِقَ وَكُفِيَ , وإنْ ماتَ أدخلهُ الله الجنَّةَ , ومنهمْ : مَن خرجَ إلى المسجدِ فهو ضامنٌ علَى الله )).
يا أهل الفجر؟!