الحمد لله الذي خلق الخلق لعبادته، فمنهم من أطاعه ومنهم من تكبر على طاعته، وقد أعدّ للعصاة ناراً وأعدّ للمتقين جنته، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وجميع صحابته.. أما بعد..

أخي في الله لقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » .

فمن هذا المنطلق كان لزاماً أن أحب لك ما أحب لنفسي، وذلك بأن أقدم إليك هذه الوصايا التي أوصي بها نفسي أولاً، ثم أوصيك لأنك أخي في الله ثانياً، ثم أوصي بها كل من قرأها من المسلمين ثالثاً، وأسأل الله أن ينفع بها كاتبها وقارئها وسامعها إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أخي في الله أوصيك أولاً بتقوى الله، ومن تقواه أن تخلص كل أعمالك له سبحانه وتعالى، فبالإخلاص يكون الخلاص من الشرك وشوائبه التي قد تحبط العمل، قال الله تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [البينة:5]، وقال سبحانه وتعالى: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } [الكهف:110]، فالإخلاص شرط أساس لقبول العمل الصالح، ويتبعه شرط آخر وهو تجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [آل عمران:31]، فاحرص رعاك الله أن تجرد الإخلاص لله وحده، وأن تجرد المتابعة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

أخي في الله أوصيك ثانياً ببر الوالدين والإحسان إليهما إن كانا على قيد الحياة، أو الدعاء لهم والترحم عليها إن كانا ميتين، فقد أمرنا الله بأعظم أمر وهو ألا نعبد إلا إياه، وقرن مع هذا الأمر الإحسان إلى الوالدين.. قال تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [الإسراء:23]، ونهانا أيضاً سبحانه وتعالى أن نقول لهما: أُفٍّ وذلك لما قاما من خدمة ورعاية لنا في وقت كنا في أمس الحاجة إلى الرعاية. فهذا النهي على هذا القول المكون من حرفين قد نزل في القرآن، قال سبحانه وتعالى: { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَ } [الإسراء:23] فكيف بغيرها من الأقوال والأفعال..

ألا يدل ذلك على عظم شأنهما. فاحرص حفظني الله وإياك على ألا تسمعهم إلا قولاً معروفاً، ولا تريهم إلا عملاً مرضياً حتى تنال أجر برّهما، ففي برّهما الثواب العظيم في الدنيا والآخرة.

أخي في الله أوصيك ثالثاً بالمحافظة على الصلوات وعدم تأخيرها عن وقتها. فيا ويل من قلل من شأنها ولم يعطها أي اهتمام، ألم تقرأ قول الحق سبحانه: { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } [الماعون:5،4]، فهذا وعيد من فاطر السماوات والأرض لمن سها عنها فكيف بمن تركها والعياذ بالله؟!

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر » فيا سوء حال من كفر لأنه مخلد في سقر.

فاحرص أخي ولا تركن إلى الكسل ففي أداء الصلاة نشاط للأبدان وراحة للوجدان، وردّ لكيد الشيطان، وذلك لمن أداها حق الأداء. فهي صلة بين العبد وربه، ففيها يناجيه ويتذلل بين يديه، وبذلك من العذاب ينجيه، وبالجنان يجزيه أليس هذا مناك؟!.. نعم هذا مناي ومناك، فهلا حرصنا على عدم تأخيرها وفقني الله وإياك.

أخي في الله أوصيك رابعاً بفعل الأوامر واجتناب النواهي وذلك فيما يحبه ويرضاه، فهذه هي العبودية الخاصة، فبقدر تحقيقك للعبودية يكون قربك من الله. وأكمل الخلق تحقيقاً للعبودية هو نبيّنا وقدوتنا وخير هاد لنا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. فكن أخي من أتباعه الصادقين الذي بيّن الله لنا بعض أوصافهم في كتابه الكريم، يقول المولى عز وجل: { كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ . وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } [الذاريات:17- 19].

ويقول سبحانه وتعالى: { الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الكهف:28]، ويقول عز من قائل: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [السجدة:16] ، ويقول جل وعلا: { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ } [النور:37]، نسأل الله أن يجعلنا منهم، وأن يحشرنا في زمرتهم.. وانتبه أخي إن كنت راجياً خائفاً ألا تكون ممن اتخذ إلهه هواه، ولكن كن ممن قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: « لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به » [قال الترمذي: حديث حسن صحيح].

أخي في الله أوصيك خامساً بحفظ الفروج واللسان؛ فهما مفتاحان لكل الشرور، فمن ضمنهما ضمن له الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة كما في الحديث: « من يضمن لي ما بين فكيه وفخذيه أضمن له الجنة » فاحرص رعاك الله على أن تكون من الوارثين الذين من أوصافهم { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } [المؤمنون:6،5]، وإياك والاستهانة باللسان، يقول قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم : « إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً » فاحرص ألا تسخط الله وأنت لا تدري.. وتجنب الكذب وإياك إن كنت مازحاً، والغيبة والنميمة والسخرية وغيرها مما يسخط الله، وعوّد لسانك على الكلام الحسن من ذكر الله { أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد:28]، وإن لم يكن ذلك « قل خيراً أو اصمت » فهذا العلاج الأمثل أعانني الله وإياك عليه.

أخي في الله أوصيك سادساً بالإكثار من الأعمال الصالحات فبها يثقل الميزان، فسوف يأتي عليك يوم تكون في حاجة إلى أن يثقل ميزانك، فاحرص أرشدك الله على ألا تضيع أوقاتك في المباحات فضلاً عن المحرمات، ولا تنظر إلى الدنيا بعين عجب فإن ما فيها سوف يزول، واجعل تفكيرك فيما أعدّ للمتقين من جنات وعيون، فالوقت يمضي وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت.

أخي في الله أوصيك سابعاً بالتفقه في الدين وذلك بطلب العلم الشرعي فالعلم كثير والجهل كثير والوقت يسير؛ فبالعلم تعبد الله على بصيرة، وتسلم من البدع الصغيرة والكبيرة، وأول ما يجب عليك تعلمه وتفقهه هو كلام الله، فلم ينزل من السماء عبثاً وإنما كي نعلمه ونعمل به، ففيه دليل العبد إلى ما يحبه المعبود ويرضاه، وعليك بأهل العلم الراسخين الموثوق من علمهم وأمانتهم الموقعين عن رب العالمين، فاحرص لنيله تجد سبيلاً. أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً، ونسأله أن يجعله حجة لنا لا حجة علينا.

أخي في الله أوصيك ثامناً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة فكن راحماً بالمذنبين مشفقاً على الغافلين؛ لأنهم اتبعوا خطوات الشيطان ولم يذوقوا حلاوة الإيمان، فأنت بهذا تدعوهم إلى سبيل المتقين، فهي وظيفة المرسلين وأفضلهم الذي أرسل رحمة ًللعالمين فكن مثله رحيماً، واعلم أن من الحكمة إنكار المنكر كبيراً كان أم صغيراً.

وليس من الحكمة التساهل في المحرمات ولكن بالموعظة الحسنة وبالدعوة الصادقة، واعلم أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء لذلك { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ( 21) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } [الغاشية:22،21] وعليك في كل أمور الدعوة بالصبر كما أوصى لقمان ابنه { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } [لقمان:17]، نسأل الله أن يجعلنا من الداعين إلى سبيله إنه وليّ ذلك والقادر عليه.

أخي في الله أوصيك تاسعاً بمصاحبة الأخيار الذين بمجالستهم يكثر زادك، ويقوى إيمانك، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر: الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، هؤلاء لا تعد عيناك عنهم تريدزينة الحياة الدنيا، وإياك إياك من مجالسة أهل الشر وإن كان منهم أخوك فلن تكسب منهم إلا الخسارة، وامتثل قول الحق سبحانه: { وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } [الكهف:28].
ولا تصحب أخا الفسق وإياك وإياه


فكم من فاسق أردى مطيعاً حين آخاه


فاحرص على مصاحبة الأخيار ولا يزين لك الشيطان الأعذار، فهم كرائحة المسك ومن الذي يأنف من رائحة المسك، وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه.

أخي في الله أوصيك عاشراً بالاستعداد للموت وسكرته، والقبر وضمّته. والموقف وشدته، والصراط وزلته. فكن أخي على استعداد تام في أي وقت كان فأمامك تلك الأهوال.. موت وسكرة كنت منها تحيد، وقبر وضمة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ، وموقف وشدة فيه { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } [عبس:34-36]، في ذلك الموقف الذي تجاهلنا { وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } [الحج:2]، في ذلك الموقف { لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس:37]، في ذلك الموقف { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى } [النازعات:35].

أخي في الله تذكر أنك ستقف بين يدي الله، وستسأل عن كل عمل عملته صغيراً كان أم كبيراً، قال الله تعالى: { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [الكهف:49]، سترى تلك الأعمال التي عملتها ولم تبال بنظر الله إليك إما إلى الجنة وما فيها من النعيم، وإما إلى النار وما فيها من العذاب المقيم، فعندها يندم المفرطون ويفرح المحسنون..

يا له من يوم عظيم يجب علينا أن نستعد له أيما استعداد وذلك بالتوبة النصوح والإكثار من الأعمال الصالحات.

نسأل الله أن يرزقنا حسن الخاتمة، وأن يظلنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأن يجعل الجنة هي دارنا، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين،، فالخذلان كما قال ابن القيّم أن يكلك الله إلى نفسك، نعوذ بالله من الخذلان.

وفي الختام لا تنس الدعاء لمن قام بجمع هذه الوصايا أو من سعى في إخراجها ونشرها.

وأسأل الله أن يثقل بهذا العمل ميزاني، وأن يغفر لي ولوالدي ولمن له حق علي من قرابة أو محبة في الله، وأسأله أن يغفر لمشايخي ولوالديهم ولجميع المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
.
...تابع القراءة


.
...تابع القراءة


ما معنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث مائلات مميلات ؟.

الحمد لله

هذا حديث صحيح ، رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( صنفان من أهل النار لم أرهما رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ) وهذا وعيد عظيم يجب الحذر مما دل عليه .

فالرجال الذين في أيديهم سياط كأذناب البقر هم من يتولى ضرب الناس بغير حق من شرط أو من غيرهم ، سواء كان ذلك بأمر الدولة أو بغير أمر الدولة . فالدولة إنما تطاع في المعروف ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما الطاعة في المعروف ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ) فقد فسر ذلك أهل العلم بأن معنى " كاسيات " يعني من نعم الله .

" عاريات " يعني من شكرها ، لم يقمن بطاعة الله ، ولم يتركن المعاصي والسيئات مع إنعام الله عليهن بالمال وغيره ، وفسر الحديث أيضا بمعنى آخر وهو أنهن كاسيات كسوة لا تسترهن إما لرقتها أو لقصورها ، فلا يحصل بها المقصود ، ولهذا قال : " عاريات " ، لأن الكسوة التي عليهن لم تستر عوراتهن .

" مائلات " يعني : عن العفة والاستقامة . أي عندهن معاصي وسيئات كاللائي يتعاطين الفاحشة ، أو يقصرن في أداء الفرائض ، من الصلوات وغيرها.

" مميلات " يعني : مميلات لغيرهن ، أي يدعين إلى الشر والفساد ، فهن بأفعالهن وأقوالهن يملن غيرهن إلى الفساد والمعاصي ويتعاطين الفواحش لعدم إيمانهن أو لضعفه وقلته ، والمقصود من هذا الحديث الصحيح هو التحذير من الظلم وأنواع الفساد من الرجال والنساء .

وقوله صلى الله عليه وسلم : ( رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ) ، قال بعض أهل العلم : إنهن يعظمن الرءوس بما يجعلن عليها من شعر ولفائف وغير ذلك ، حتى تكون مثل أسنمة البخت المائلة ، والبخت نوع من الإبل لها سنامان ، بينهما شيء من الانخفاض والميلان ، هذا مائل إلى جهة وهذا مائل إلى جهة ، فهؤلاء النسوة لما عظمن رءوسهن وكبرن رءوسهن بما جعلن عليها أشبهن هذه الأسنمة .

أما قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ) فهذا وعيد شديد ، ولا يلزم من ذلك كفرهن ولا خلودهن في النار كسائر المعاصي ، إذا متن على الإسلام ، بل هن وغيرهن من أهل المعاصي كلهم متوعدون بالنار على معاصيهم ، ولكنهم تحت مشيئة الله إن شاء سبحانه عفا عنهم وغفر لهم وإن شاء عذبهم ، كما قال عز وجل في سورة النساء في موضعين : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) النساء / 48 ، ومن دخل النار من أهل المعاصي فإنه لا يخلد فيها خلود الكفار بل من يخلد منهم كالقاتل والزاني والقاتل نفسه لا يكون خلوده مثل خلود الكفار بل هو خلود له نهاية عند أهل السنة والجماعة ، خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سار على نهجهم من أهل البدع ؛ لأن الأحاديث الصحيحة قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل المعاصي من أمته ، وأن الله عز وجل يقبلها منه صلى الله عليه وسلم عدة مرات ، في كل مرة يحد له حدا فيخرجهم من النار ، وهكذا بقية الرسل والمؤمنون والملائكة والأفراط كلهم يشفعون بإذنه سبحانه ، ويشفعهم عز وجل فيمن يشاء من أهل التوحيد الذين دخلوا النار بمعاصيهم وهم مسلمون ، ويبقى في النار بقية من أهل المعاصي لا تشملهم شفاعة الشفعاء ، فيخرجهم الله سبحانه برحمته وإحسانه ، ولا يبقى في النار إلا الكفار فيخلدون فيها أبد الآباد كما قال عز وجل في حق الكفرة : ( كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ) الإسراء / 97 ، وقال تعالى : ( فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا ) النبأ / 30 ، وقال سبحانه في الكفرة من عباد الأوثان : ( كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) البقرة / 167 ، وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ) المائدة / 36 – 37 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .

نسأل الله العافية والسلامة من حالهم .

.
...تابع القراءة


السؤال : ما حكم قول هذه الكلمات : أ- توفي شخص فقال بعضهم : والله ما يستاهل . ب – إذا حصل أذى للإنسان قالوا : مسكين . يعني : لماذا يحصل له هذا؟

الجواب :
الحمد لله
"أولاً : قول : (والله ما يستاهل) لا يجوز استعماله ؛ لأنه اعتراض على الله جل وعلا في حكمه وقضائه ، إذ معناها : أن ما أصاب فلاناً من مرض أو محنة أو موت ونحو ذلك لا يستحقه ، وهذا طعن في حكمة الله سبحانه .
ثانياً : قول : (مسكين) لمن حصل له أذى ، يعني لماذا يحصل له هذا : يقال في هذا اللفظ ما قيل في اللفظ الأول .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/360) .


.
...تابع القراءة


السؤال : هل للداعية مخاطبة الكافرة المتبرجة لتعريفها بالإسلام ؟

الجواب :
الحمد لله
"نعم ، له ذلك ، بل يجب عليه أن يدعوها ، لكن يغض الطرف والبصر عنها ، لأنه مأمور بالدعوة إلى الله عز وجل ، ومأمور بغض البصر عن رؤية ما لا يحل له النظر إليه" انتهى .
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/19) .


.
...تابع القراءة


السؤال : عندنا أطفال صغار ، وتعودنا في بلادنا أن نعطيهم حسب يوم العيد سواء الفطر أو الأضحى ما يسمى بـ (العيدية) وهي نقود بسيطة ، من أجل إدخال الفرح في قلوبهم ، فهل هذه العيدية بدعة أم ليس فيها شيء ؟

الجواب :
الحمد لله
"لا حرج في ذلك ، بل هو من محاسن العادات ، وإدخال السرور على المسلم ، كبيراً كان أو صغيراً ، وأمر رغب فيه الشرع المطهر .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/247) .


.
...تابع القراءة


نواجه - نحن المسلمين في الغرب - صعوبات في المحافظة على أبنائنا من الضياع والانخراط في المجتمع الغربي المنحل ، ونريد بعض الخطوات العملية التي نستطيع بها الحفاظ على أبنائنا من الانحراف والضياع . وجزاكم الله خيرا .

الحمد لله
للمحافظة على كيان الأسر المسلمة في بلاد الكفر ينبغي توفير عدد من الشروط والمتطلبات داخل المنزل وخارجه :

أ - داخل المنزل :
1- لابد من محافظة الآباء على الصلاة في المسجد مع أولادهم وإن لم يكن ثَمَ مسجد قريب فالصلاة جماعة في البيت .
2- ولابد لهم من قراءة القرآن والاستماع للتلاوة يوميا .
3- ولابد لهم من الاجتماع على الطعام بعضهم مع بعض .
4- ولابد لهم من التحدث بلغة القرآن بقدر الإمكان .
5- ولابد لهم من المحافظة على الآداب الأسرية والاجتماعية التي نص عليها رب العالمين في كتابه ومنها ما ورد في سورة النور .
6- وعليهم عدم السماح لأنفسهم أو لأولادهم بمشاهدة الأفلام الخليعة والفاجرة والفاسقة .
7- ولابد للأولاد من المبيت داخل المنزل والعيش فيه أطول وقت ممكن حماية لهم من تأثير البيئة الخارجية السيئة ، والتشديد على عدم السماح لهم بالبقاء خارج المنزل للنوم .
8- تجنّب إرسال الأولاد إلى الجامعات البعيدة لكي يسكنوا في سكن الجامعة ، وإلا سنفقد أولادنا ، الذين سينصهرون في المجتمع الكافر .
9- لا بد من الحرص التام على الطعام الحلال وأن يتجنّب الأبوان تماما تعاطي أيّ نوع من المحرّمات كالسجائر والماريوانا وغيرها مما ينتشر في بلاد الكفر.

ب - خارج المنزل :
1- لابد من إرسال الأطفال إلى مدارس إسلامية منذ الطفولة إلى نهاية الثانوية .
2- ولا بد من إرسالهم أيضا إلى المسجد بقدر الإمكان وذلك لصلاة الجمعة والجماعة ، وحضور الحلقات العلمية والدعوية والوعظية وغيرها .
3- لا بد من إيجاد النشاطات التربوية والرياضية بين الأطفال والشباب في أماكن يُشرف عليها المسلمون .
4- إقامة مخيمات تربوية يذهب إليها أفراد العائلة بكاملها .
5- أن يسعى الآباء والأمهات إلى الذهاب إلى الأراضي المقدسة لأداء مناسك العمرة وفريضة الحج مصطحبين معهم أولادهم .
6- تدريب الأولاد على التحدث عن الإسلام بلغة مبسطة يفهمها الكبير والصغير ، المسلم وغير المسلم .
7- تدريب الأولاد على حفظ القرآن وإرسال بعضهم - إن أمكن - إلى بلد عربي مسلم لكي يتفقهوا في الدين ، ثم يعودوا بعد ذلك ليكونوا دعاة مزودين بالعلم والدين ولغة القرآن الكريم .
8- تدريب بعض الأبناء على إلقاء خطب الجمعة ، وإمامة المسلمين لكي يصبحوا قادة للجاليات الإسلامية .
9- تشجيع الأبناء على الزواج مبكرا لكي نحفظ لهم دينهم ودنياهم .
01- ولا بد من تشجيعهم على الزواج من المسلمات والعائلات والمعروفة بدينها وخلقها .
11- ترك استعمال رقم ( 911 ) ومطالبة الشرطة بالمجيء إلى المنزل لحل الخلاف ، فإن حصل خلاف فلا بد من الاتصال بأحد المسؤولين في الجالية الإسلامية أو العقلاء المسلمين للمساعدة على حل الخلاف .
21- عدم حضور حفلات الرقص والموسيقى والغناء ومهرجانات الفسق ومشاهد أعياد الكفر ومنع الأولاد بالحكمة من الذّهاب مع طلاب المدرسة النصارى إلى الكنيسة يوم الأحد .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
.
...تابع القراءة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد:

فلقد حكم الله تعالى ولا معقب لحكمه بعدم قبول أي دين إلا دين الإسلام، وبعدم أحقية أي دين غير دين الإسلام بالفلاح والنجاح في الدنيا ولا في الآخرة التي هي مدار الأعمال ومنتهى الإرادات، إذ الأعمال بخواتيمها والمشاريع بنتائجها فما كانت خاتمته جهنم ونتيجته الخسارة فأولى له ان لا يُبتغَي ديناً ولا منهجاً في هذه الحياة، قال تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.

وكون الإسلام هو الدين الحق الذي لا يُقبل غيره ولا يُتخذ سواه ديناً، فلأنه دين الله تعالى، كما قدَّم الله تعالى في أول الآيات {أفغير دين الله يبغون وله اسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً واليه يرجعون}.

قال ابن كثير رحمه الله: (يقول تعالى منكراً على من أراد ديناً سوى دين الله الذي انزل به كتبه وأرسل به رسله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي له اسلم من في السماوات والأرض، أي استسلم له من فيهما طوعاً وكرهاً، كما قال تعالى {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً... الآية}، وقال تعالى {أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله وهم داخرون* ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دآبة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون... الآية}.

وقد بعث الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالإسلام بشيراً ونذيراً فأقام به الحجة وأتم به النعمة وختم به الرسالة وجعل شرعه مهيمناً وكتابه محفوظاً، وأرسله في وسط جاهلية منحرفة ضالة لا تعرف للحق سبيلاً إلا سبيل الآباء والأجداد من الشرك وعبادة غير الله الواحد سبحانه وتعالى، فدعاهم صلى الله عليه وسلم إلى منهج الله الرشيد وشرعه المحكم ودينه القويم وامرهم ان يعبدوا الله وحده ويُخلصوا له الدين ويُسلموا له قلوبهم وجوارحهم فينقادوا لشرعه ويأتمروا بأمره وينتهوا عن نهيه، ورغم العنت الشديد والابتلاء العظيم واضطهاد الكفار للمسلمين وفتنتهم عن دينهم، إلا ان ذلك لم يُثن الرجال عن مبادئهم وحبهم للحق الذي آمنوا به وضحوا في سبيله فآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم رجال، والتَّف حوله أبطال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً، وكان من حسن إسلامهم وصدق إيمانهم ان رضي الله تعالى عنهم وجعلهم قدوةً لمن يأتي بعدهم، قال تعالى {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}.

توحيد مصدر التلقي :

ولقد احسن الصحابة رضي الله عنهم التلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا من حسن إسلامهم إذ لا يتم إسلام المرء حتى يجعل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم المرجع في كل أمر والحكم في كل شأن، ولهذا قال الله تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويُسلموا تسليماً}.

قال ابن كثير رحمه الله (يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن احد حتى يُحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً، ولهذا قال {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويُسلموا تسليماً}، أي إذا حكموك يُطيعونك في بواطنهم، فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ").

ولذلك غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى صحيفة من التوراة في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأن ذلك يُخالف ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم من توحيد مصدر التلقي والأخذ عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

والصحابة رضي الله عنهم لما أحسنوا التلقي احسنوا الفهم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ففهموا أوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم على مراد الله عز وجل ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، فلما صَفَتْ مفاهيمهم من شوائب المناهج الأُخرى وأدران الأديان الوضعية وخزعبلات الملل المُحرفة، بلغت نفوسهم القمة السامقة والدرجة الرفيعة التي لا تدانيها درجة فاستعلوا بإيمانهم على كل شئ وأنتجت تلك المفاهيم آثاراً ارتقوا بها إلى درجة المثال فصار المثال واقعاً ملموساً.

فلا عجب إذاً ان ينطلقوا فاتحين لينصروا دين الله تعالى مستعلين على حطام الدنيا الزائل، لأنهم فهموا ان دين الله هو الحق الذي لا مرية فيه وان ما سواه باطل وأجدر ان يُقتلع من جذوره من الأرض {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تُصرفون}، وقال الله تعالى {قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق ان يُتبع أمن لا يَهِدِّي إلا ان يُهدى فمالكم كيف تحكمون}.

لقد أيقن الجيل الأول رضي الله عنهم ان دين الله ليس نِحلةً من نِحل الأرض الجاهلية ولا ملة تسير في خط موازٍ لباقي الملل بل هو الحق الذي قامت عليه السماوات والأرض، وبُعثت من أجله الرسل، وجُرِّدت في سبيل أقامته السيوف، {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه (أُمرت ان أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويُقيموا الصلاة ويُؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) [متفق عليه].

وما فَعَل الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله عنه ما فعل، عندما دخل على رستم قائد الفرس لا يعبأ بصولجانه ولا بهيلمانه؛ إلا من آثار فهمه الحق لدين الله تعالى، وقوله : (الله تعالى ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام)، دليل على ذلك.

وحين ينحرف فهم الناس للإسلام تنحرف كذلك آثارهم إذ كل إناء بما فيه ينضح.
فعندما يُنظر إلى الإسلام بنظرة الفكرة التي من الممكن ان تحتمل الخطأ - حاشا دين الله -
فعندها يُوضع على طاولة الاختبار وتُجرى عليه القرعة ولا يُحمل عليه الناس حملاً بالحق تنفيذاً لأمر الله تعالى حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
وعندما يُنظر إلى الإسلام على انه ملة كسائر ملل الأرض، عندها لا عجب ان تُعقد المؤتمرات وتُشكل الجمعيات للمؤاخاة بين الأديان، وعندها لا يُستغرب ان يعيش المسلم أي عيشة شاء وتحت أي ظرف كان لان المهم أن ينتسب إلى الإسلام

ولله دَرُّ الشاعر لما قال :
إذا ما جذوة الإسلام لم تُشعل براكينا
أكانت حُرقة الإيمان تزييفاً وتلوينا
أ كانت رنة القرآن تغريداً وتلحينا
أ كانت تلكم الأفواج أرقاماً تُسَلّينا
فمن للحق يجلوه إذا كلَّت أيادينا
ومن للغاية الكبرى إذا قَصُرت أمانينا
ومن للأمة الغرقى إذا كنا الغريقينا
.
...تابع القراءة

في بعض البلدان قد تجبر المسلمة على خلع الحجاب وبالأخص غطاء الرأس ، هل يجوز لها تنفيذ ذلك علما بأن من يرفض ذلك ترصد له العقوبات كالفصل من العمل أو المدرسة ؟

هذا البلاء الذي يحدث في بعض البلدان هو من الأمور التي يمتحن بها العبد ، والله سبحانه وتعالى يقول ( آلم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) ( العنكبوت : 1ـ3)

فالذي أرى أنه يجب على المسلمات في هذه البلدة أن يأبين طاعة أولي الأمر في هذا الأمر المنكر ، لأن طاعة أولي الأمر في الأمر المنكر مرفوضة ، قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ( النساء : 59) . لو تأملت الآية لوجدت أن الله قال ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ولم يكرر الفعل ثالثة مع أولي الأمر ، فدل على أن طاعة ولاة الأمور تابعة لطاعة الله وطاعة رسوله ، فإذا كان أمرهم مخالفا لطاعة الله ورسوله فأنه لا سمع لهم ولا طاعة فيما أمروا به فيما يخالف طاعة الله ورسوله ، ( ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) .

وما يصيب النساء من الأذى في هذه الناحية فإنه من الأمور التي يجب الصبر عليها والاستعانة بالله تعالى على الصبر ، ونسأل الله لولاة أمورهم أن يهديهم إلى الحق ، ولا أظن هذا الإجبار إلا إذا خرجت المرأة من بيتها ، وأما في بيتها فلن يكون هذا الإجبار، وبإمكانها أن تبقى في بيتها حتى تسلم من هذا الأمر ، أما الدراسة التي تترتب عليها معصية فأنها لا تجوز ، بل عليها دراسة ما تحتاج إليه في دينها ودنياها ، وهذا يكفي ويمكنها ذلك في البيت غالبا .

الشيخ محمد بن صالح العثيمين
.
...تابع القراءة




السؤال: ما نصيحتكم لشاب في بداية طريق الاستقامة؟

الجواب:
الحمد لله
"نصيحتنا لهذا الشاب الذي هو في اتجاه سليم إن شاء الله:

  • أولاً: أن يسأل الله الثبات دائماً، والصواب.

  • ثانياً: أن يكثر من قراءة القرآن بتدبُّر؛ لأن هذا القرآن له أثر كبير على القلب، إذا قرأه الإنسان بالتدبُّر.

  • ثالثاً: أن يحرص على ملازمة الطاعات، وألا يمل أو يكسل، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استعاذ من العجز والكسل.

  • رابعاً: أن يحرص على مصاحبة الأخيار، ويبتعد عن مصاحبة الأشرار.

  • خامساً: أن ينصح نفسَه حينما تؤثر هذه النفس عليه وتقول له: إن المدى بعيد، والطريقَ طويل، فلينصح نفسه وليثبُت؛ لأن الجنة حُفَّت بالمكاره، والنار حُفَّت بالشهوات.

  • سادساً: أن يبتعد عن قرناء السوء، حتى ولو كانوا أصحاباً له من قبل؛ لأن قرناء السوء يؤثرون عليه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مَثَلُ الجليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة)" انتهى .

فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله .
"لقاءات الباب المفتوح" (1/153) .



.
...تابع القراءة


أولاً :وقت الصباح يبدأ بعد طلوع الفجر وينتهي بطلوع الشمس ولو قلت أذكار الصباح من بعد طلوع الشمس حتى قبل الغروب لا تحصل الفائدة ولكنك مأجور ببركة الذكر.


ثانياً:وقت المساء يبدأ بعد العصر وينتهي بالغروب ولو قلت أذكار المساء من بعد غروب الشمس حتى قبل أذان الفجر لا تحصل الفائدة ولكنك مأجور ببركة الذكر.


ثالثاً:المقصود بعدم حصول الفائدة للذاكرين خارج أوقات الصباح والمساء أن الذكر وسيلة لحماية الإنسان من شر ما خلق الله ومن وساوس الشيطان فمن قاله خارج وقته حصلت له البركة بمجرد الذكر من دون الحصول على حصانته تماماً كمن أكل بالأمس ونسي أن يسمي في بداية الطعام فقال اليوم (بسم الله الرحمن الرحيم ) فهو مأجور على قوله بسم الله الرحمن الرحيم ولكن الشيطان قد أكل معه من طعام الأمس الذي لم يسم عليه.


رابعاً:إذا قلت هذا الذكر في الصباح فعليك بتغييرالضمير فبدل أن تقول:" رب أسألك خير ما في هذه الليلة " فقل:" رب أسألك خير ما في هذا الصباح" وهكذا.


خامساً:اعلم أخي:أن الأكمل أن يكون الذكر في الصباح بعد صلاة الفجر وفي المساء بعد صلاة العصر أي بعد صلاة الفريضة ولكن اعلم أنه يجوز الذكر في الصباح بعد طلوع الفجر وان قبل الصلاة - أي بمجرد الأذان وقبل الإقامة - ، ويجوز بعد دخول وقت العصر وإن قبل الصلاة - أي بمجرد الأذان وقبل الإقامة -


سادساً:يستحب لك أن تبدأ بالحمد قبل الدعاء وقد اخترنا لك دعاء الحسن البصري كما نقله ابن القيم: الحمد لله اللهم ربنا لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا ، وهديتنا وعلمتنا ، وأنقذتنا وفرجت عنا ، لك الحمد بالإيمان ، ولك الحمد بالإسلام ، ولك الحمد بالقرآن ، ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة ، كبت عدونا ربنا أعطيتنا ، فلك الحمد على ذلك حمداً كثيراً ، لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث أو سر أو علانية ، أو خاصة أو عامة ، أو حي أو ميت ، أو شاهد أو غائب ، لك الحمد حتى ترضى ، ولك الحمد إذا رضيت ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
.
...تابع القراءة


  • أول هذه الأسباب :
الاستغفار والتوبة

قال تعالى :فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَاراً(11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً (12)[ سورة نوح]

  • السبب الثاني

التوكل على الله

قال تعالى : وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً[ سورة الطلاق : الآية 3]
روى الإمام مالك والترمذي بسند صحيح عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
((لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا ، وَتَرُوحُ بِطَانًا)) .

  • السبب الثالث :
صلة الرحم

لك أقارب ، لك أخوات ، لك بنات ، لك عمات ، لك خالات في أطراف المدينة
أنت حينما تصلهم ، وتعطيهم ، وتأخذ بيدهم ، وتتولى شؤونهم ، وترعاهم
وتهديهم إلى الله عز وجل يزداد رزقك
فعن أَنَس بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)) .
[ البخاري ، مسلم ، أبو داود ، أحمد ]

  • السبب الرابع :
من أسباب الرزق الإنفاق في سبيل الله

قال تعالى : وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [ سورة سبأ : الآية 39]
وفي الحديث : (( أنفق يا بلال ، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا )) .
[الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة ، والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة]

  • السبب الخامس :
التوبة

قال تعالى:وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ
[ سورة هود : الآية 3]

  • السبب السادس
الدعاء

يقول عليه الصلاة و السلام: (( اللهم إني أعوذ بك من البخل والفقر، وعذاب القبر)).
وعن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(( تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الْفَقْرِ ، وَالْقِلَّةِ ، وَالذِّلَّةِ ، وَأَنْ تَظْلِمَ ، أَوْ تُظْلَمَ)).
[النسائي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ]

  • السبب السابع :
تقوى الله عز وجل

قال تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
[ سورة الأعراف : الآية 96]

  • السبب الثامن
ذكر الله تعالى

قال تعالى : وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى
[ سورة طه : الآية 124]

  • السبب التاسع من أغرب الأسباب
النفقة على طالب العلم تزيد في الرزق:

على طالب العلم بالذات ، هذا الذي جاء بلدكم ليطلب العلم ليعود خطيباً ، ليعود داعية ، ليعود مدير معهد شرعي ، ليعود مفتياً ، هذا جاءكم إكرامه ، والإنفاق عليه ، وإشعاره أنه في بلده ، وبين أهله يزيد الرزق ، والدليل ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : (( كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْآخَرُ يَحْتَرِفُ ، فَشَكَا الْمُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ((لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ)) [ الترمذي ]
دليل قطعي ، إما أن تكون داعية ، أو أن تكون في خدمة داعية ، في خدمة طالب علم أتى إلى هذا البلد الطيب ، ونرجو الله أن يستمر بقاؤهم في هذا البلد إلى ما شاء الله .

  • السبب العاشر
شكر الله عز وجل

الجميع أنعم الله عليه بنعم لا تعد ولا تحصى ، أكبرها الصحة والأولاد وراحة البال ألخ ، إن شكرت نعماً بين يديك حفظ الله لك هذه النعم ، وزادك من فضله , قال تعالى : لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ [ سورة إبراهيم : الآية 7]

وختاماً

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع :إن روح الأمين نفثت في رُوعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها ، فاتقوا الله عباد الله ، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بمعصية الله ، فإن الله تبارك وتعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالاً ، ولم يقسمها حراماً ، فمن اتقى الله ، وصبر آتاه الله برزقه من حله ، ومن هتك حجاب الستر وعجل فأخذه من غير حله ، قص به من رزقه الحلال ، وحوسب عليه يوم القيامة.
[الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن حذيفة]
أوضح لكم ذلك : بستان فيه تفاح ، لو قلنا : الشجرة السابعة ، الغصن الرابع ، الفرع الخامس فيه تفاحة ، هذه لفلان ، فلان مخير ، إما أن يأكلها ضيافة ، وإما أن يأكلها هدية ، وإما أن يأكلها شراء ، وإما أن يأكلها تسولاً ، وإما أن يأكلها سرقة ، طريقة وصول الرزق إليك باختيارك ، أما الرزق فهو لك ، لذلك اصبر عن الحرام يأتِك الحلال ، أعيد الحديث : ((إن روح الأمين نفثت في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها ، فاتقوا الله عباد الله وأجملوا في الطلب)) . أيها الإخوة الكرام : هذا حديث دقيق جداً .
الآن : يستحب الإجمال في طلب الرزق ، واكتساب المعيشة ، ما معنى الإجمال ؟ أن تهتم بطلب الحلال دون الحرام ، لو جاءك رزق وفير فيه شبهة حرم اركله برجلك ، ولا تعبأ، وقل : الله الغني .
عدم الإضرار بالنفس بتعريضها للمشاق والصعوبات الهائلة في طلب الرزق ، الإنسان يتوهم رزقه في الممنوعات ، يغامر بحياته ، يغامر بمصادرة أمواله كلها ، يغامر أن يكون في السجن ، ما كلفك الله فوق ما تطيق ، من الإجمال في طلب الرزق عدم الإضرار بالنفس ، وعدم تعريضها للمشاق والصعوبات الهائلة في طلب الرزق .
ومن الإجمال في طلب الرزق : عدم ترك ما أراد الله من الإنسان من واجبات ، أو مندوبات ، أو عبادات ، أو أعمال دينية ، أو طلب علم .

أقول لكم هذه الكلمة : من كانت مهنته أو حرفته مشروعة ، وسلك بها الطرق المشروعة ، وابتغى بها كفاية نفسه وأهله ، وخدمة المسلمين ، ولم تشغله عن واجب ، ولا عن فريضة ، ولا عن عمل علمي ، ولا عن عمل خيري انقلبت إلى عبادة ، لذلك قالوا : عادات المؤمن عبادات ، وعبادات المنافق سيئات
.
...تابع القراءة


الغناء.. وأثره على قلوب سامعيه

هل هي ثورة؟! لو قلنا ذلك لما كان مستبعدا..
أما كونها ظاهرة فهي حقيقة لا يختلف عليه اثنان، وأمر واقع لا ينتطح فيه عنزان..
أعني بذلك ظاهرة انتشار الأغاني، والكليبات، والحفلات الموسيقية والغنائية في بلداننا وبين أبنائنا..
ولا شك أن أكثر المتعرضين لهذا البلاء، والمكتوين بهذا الابتلاء هم طائفة الشباب ومن دار حول الشباب سنا وعقلا.

وأثر الغناء على قلوب سامعيه مدمر، وكلما كان بلا هدف، وجله كذلك، أو كان فاحشا، وكثير منه يحتوي ذلك.. كلما كان أكثر تدميرا وأشد فتكا بقلب سامعه..


والشريعة الغراء إنما يكون حكمها على الشيء على حسب نفعه وضره، وعلى قدر ما يجلبه من مصالح أو مفاسد.. فقاعدة الشرع "لا ضرر ولا ضرار"، و"درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، والأمر إن كانت فيه بعض مصلحة ولكن كانت مفسدته أكبر منعه الشارع وحرمه كما جاء في الخمر: (يسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)(البقرة: من الآية219).. فلما كان الإثم أكثر من النفع، والمفسدة أعظم من المصلحة جاء التحريم ومنع الشرع من استعمالها وشربها قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة:90،91).

وقد تحدث أهل العلم والفضل عن الغناء وأثره وما يحدثه في قلب سامعه وخلقه، وبعضهم تكلموا عن هذا الأثر قبل أن يتكلموا عن حكمه، ذلك أن من رأى الأثر وعرف قدر الضرر أمكنه أن يستخلص الحكم قبل أن يقرأه أو يسمعه؛ ولذلك أحببت هنا أن أسلك هذا المسلك وأبدأ بأثر الغناء أولا ثم بيان حكمه بعد ذلك؛ فهو أدعى للقبول وأقطع للعذر.. وهذه بعض الآثار لا كلها:

  • --أولاً: الغناء يصد عن القرآن:
وهذا لا شك.. فالقرآن كلام الرحمن، والغناء كلام الشيطان، ولا يجتمع القرآنان في قلب إلا أخرج أحدهما صاحبه.
يقول ابن القيم رحمه الله: " الغناء من مكايد الشيطان ومصايده التي يكيد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين ويفسد بها قلوب الجاهلين والمبطلين. يبعد به القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان. هو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن".

ويقول أيضا واصفًا أهل الغناء: "قضوا حياتهم لذة وطربًا، واتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا. مزامير الشيطان أحب إليهم من استماع سور القرآن. لو سمع أحدهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرك فيه ساكنًا، ولا أزعج له قاطنا. حتى إذا سمع قرآن الشيطان تفجرت ينابيع الوجد من قلبه على عينيه فجرت، وعلى أقدامه فرقصت وعلى يديه فطقطت وصفقت، وعلى سائر أعضائه فاهتزت وطربت، وعلى زفراته فتزايدت، وعلى ميزان أشواقه فاشتغلت".. وما أصدق ما قال الأول:
تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة... لكنه إطراق ساه لاهي
وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا والله... ما رقصوا لأجل الله
دف ومزمار ونغمة شادن... فمتى رأيت عبادة بملاهي
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا... تقييده بأوامر ونواهي
سمعوا له رعدا وبرقا إذ حوى... زجرا وتخويفا بفعل مناهي
ورأوه أعظم قاطع للنفس عن... شهواتها يا ذبحها المتناهي
وأتى السماع موافقا أغراضها... فلأجل ذاك غدا عظيم الجاه
أين المساعد للهوى من قاطع... أسبابه عند الجهول الساهي
إن لم يكن خمر الجسوم فإنه... خمر العقول مماثل ومضاهي
فانظر إلى النشوان عند شرابه... وانظر إلى النشوان عند ملاهي
وانظر إلى تخريق ذا أثوابه... من بعد تمزيق الفؤاد اللاهي
واحكم بأي الخمرتين أحق بالـ... تحريم والتأثيم عند الله

فيا أيها المفتون، والبائع حظه من الله صفقة خاسر مغبون. هلا كانت هذه الأشجان عند سماع القرآن"؟!!.
ولقد صدق من قال:
حب الكتاب وحب ألحان الغناء .. .. في قلب عبد ليس يجتمعان
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا .. .. تقييده بأوامر الرحمن
وللهو خف عليهم لما رأوا .. .. ما فيه من طرب ومن ألحان

  • --ثانيًا: الغناء رقية الزنا:
قال الفضيل بن عياض: "الغناء رقية الزنا". أي أنه سبيله والداعي إليه والمرغب فيه.
وهذا كلام محكم سديد، وليس معناه أنه لا يزني إلا من كان سامعا للغناء والموسيقى، ولكن معناه أنه إنما يكثر الزنا في أهل هذا البلا، لأنه يهيج القلوب إليه، ويرغب النفوس فيه.. وهذا واقع مشاهد تدل عليه وقائع الناس.

ومن هنا قال يزيد بن الوليد لقومه بني أمية: "يا بني أمية، إياكم والغناء، فإنه ينقص الحياء، ويزيد الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل المسكر، فإن كنتم لابد فاعلين فجنبوه النساء. فإن الغناء داعية الزنا".

ونزل الحطيئة الشاعر على رجل من العرب ومعه ابنته مليكة، فلما كان من الليل سمع غناء، فقال لصاحب الدار: كف هذا عني، قال: وما تكره من ذلك؟ فقال: "إن الغناء رائد من رادة الفجور، ولا أحب أن تسمعه هذه – يعني ابنته – فإن كففته وإلا خرجت عنك ".

ونزل يوما بقوم، فقال بعضهم لبعض تعلمون لسانه وأنه إذا هجاكم صارت سبة فيكم أبد الدهر.. فمشوا إليه فقالوا: قد نزلت خير منزل فانظر ما تحب فنأتيه وما تكره فنجنبك إياه. فقال: "جنبوني ندى مجالسكم، ولا تسمعوني أغاني شبيبتكم، فإن الغناء رقية الزنا".

قال خالد بن عبد الرحمن: كنا في معسكر سليمان بن عبد الملك فسمع الغناء من الليل فأرسل لهم بكرة، فجيء بهم، فقال: "إن الفرس ليصهل فتستودق الرمكة، وإن الفحل ليهدر فتضبع الناقة، وإن التيس لينب فتستحرم له العنز، وإن الرجل ليغني فتشتاق إليه المرأة، ثم قال: اخصوهم، فقال عمر: هذه مثله، ولا تحل، فخلَّ سبيلهم. فخلى سبيلهم.

والرجل الغيور يجنب أهله سماع الغناء، فكم من حرة صارت بالغناء من البغايا، وكم من حرٍ أصبح به عبدًا للصبيان والصبايا، وكم من غيور تبدل به اسمًا قبيحًا بين البرايا، وكم من معافى تعرض له فحلَّت به أنواع البلايا ".
فسل ذا خبرة ينبيك عنه...... لتعلم كم خبايا في الزوايا

  • --ثالثا: الغناء ينبت النفاق في القلب:
عن ابن مسعود قال: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع".
وروي مرفوعًا: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل".
قال الضحاك: "الغناء مفسدة للقلب، مسخطة للرب".

وكتب عمر بن عبد العزيز لمؤدب ولده: "ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي مبدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق كما ينبت العشب على الماء ".

فيا سامع الأغاني هذا نصحي إليك، وهذه أدلة الدين بين يديك، فإن أطعت ربك وانتهيت فأعظم الله مثوبتك وهدى قلبك، وإن أبيت إلا الإصرار فقد قدمت فيك الاعتذار.
برئنا إلى الله من معشـــر.. .. بهم مـرض من سمـاع الغنا
وكم قلت يا قوم أنتم على .. .. شفـــــا جُرُفٍ ما به من بنا
شفا جرف تحته هـــــــوة .. .. إلى درك كـــــــم به من عنا
وتكرار ذا النصح منَّا لهم .. .. لنـــعـذر فيهـم إلى ربنـــــــا
فلما استهـــــانوا بتنبيــهنا .. .. رجعنا إلى الله في أمــــــرنا
فعشنا على سنة المصطفى .. .. وماتـوا على تنـــتنا تنـــــتنا
.
...تابع القراءة


السؤال: كيف نجمع بين حديث : ( أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من الإيمان )... قال : ( فيقبض قبضة من النار - أو قال قبضتين - ناسا لم يعملوا لله خيرا قط.. ) وبين خلود الكافر في النار ؟

الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
لا تعارض بين إخراج أناس من النار جاء في وصفهم أنهم ( لم يعملوا خيرا قط )، وبين الآيات الكثيرة التي تقرر خلود الكفار في نار جهنم ، وذلك لأن هؤلاء الموصوفين في الحديث ليسوا من الكفار ، بل هم من المؤمنين الموحدين ، ولكنهم فرطوا في جنب الله ، وأسرفوا على أنفسهم حتى تركوا أكثر العبادات والطاعات ، ولم يبق لهم ما يدخلهم الجنة إلا الشفاعة.
والحديث يرويه الإمام مسلم في صحيحه (رقم/183) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ ، يَقُولُونَ : رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا ، وَيُصَلُّونَ ، وَيَحُجُّونَ . فَيُقَالُ لَهُمْ : أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ . فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ ، وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ . فَيَقُولُ : ارْجِعُوا ، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ . فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا . ثُمَّ يَقُولُ : ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ . فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا . ثُمَّ يَقُولُ : ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ . فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا .
وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ : إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا )
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا ، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ )
والحديث يرويه أيضا الإمام أحمد في " المسند " (18/394) من طريق أخرى .
وقد بين العلماء أن هذه الشفاعة هي لمن قال لا إله إلا الله ، وجاء بأصل التوحيد ، ولكنه لم يعمل خيرا قط .
يقول ابن حجر رحمه الله :
" وشفاعة أخرى هي شفاعته فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط " انتهى.
" فتح الباري " (11/428)
ويقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله – في شرح رواية أبي هريرة لحديث الرجل الذي أوصى بنيه أن يحرقوه ويذروا نصفه في البر ونصفه في البحر خوفا من عقاب الله ، حيث جاء فيها : ( قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد ) – قال ابن عبد البر رحمه الله : " وهذه اللفظة – يعني ( إلا التوحيد ) - إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل ، وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى ، والأصول كلها تعضدها ، والنظر يوجبها ؛ لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار ، لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا ، وهذا ما لا مدفع له ، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة ، وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث : ( لم يعمل حسنة قط ) ، أو ( لم يعمل خيرا قط لم يعذبه ) إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير ، وهذا سائغ في لسان العرب جائز في لغتها ، أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض ، والدليل على أن الرجل كان مؤمنا قوله حين قيل له : لم فعلت هذا ؟ فقال : من خشيتك يا رب )
والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق ، بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم ، كما قال الله عز وجل: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) قالوا : كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به . وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده .
ومثل هذا الحديث في المعنى ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو صالح حدثني الليث عن ابن العجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله : خذ ما يسر واترك ما عسر ، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا . فلما هلك قال الله : هل عملت خيرا قط ؟ قال لا ، إلا أنه كان لي غلام فكنت أداين الناس ، فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما يسر واترك ما عسر ، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا ، قال الله قد تجاوزت عنك )
قال أبو عمر: فقول هذا الرجل الذي لم يعمل خيرا قط غير تجاوزه عن غرمائه ( لعل الله يتجاوز عنا ) : إيمان وإقرار بالرب ، ومجازاته ، وكذلك قول الآخر : ( خشيتك يا رب ) إيمان بالله واعتراف له بالربوبية والله أعلم " انتهى.
" التمهيد " (18/40-41)
ويقول الإمام ابن خزيمة رحمه الله – وقد أورد هذا الحديث تحت باب : " ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص " :
" هذه اللفظة : ( لم يعملوا خيرا قط ) من الجنس الذي يقول العرب ، ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام ، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل : لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال ، لا على ما أوجب عليه وأمر به ، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي " انتهى.
" التوحيد " (2/732)
والله أعلم .



.
...تابع القراءة


السؤال : ما حكم النظر إلى النساء المتبرجات : بقصد ، أو بغير قصد ؟

الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

  • "إن النظر بقصد لا يجوز ، لقوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/2 ، وقد جعل الله سبحانه وتعالى العين مرآة القلب ، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته ، وفي الصحيح ( أن الفضل بن عباس رضي الله عنهما دفع يوم النحر من مزدلفة إلى منى فمرت ظعن [أي : نساء] يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن ، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه إلى الشق الآخر ) . قال ابن القيم في "روضة المحبين" : هذا منع - أي للنظر إلى الأجنبيات- وإنكار بالفعل ، فلو كان النظر جائزاً لأقره عليه ، قال : وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة ، فالعين تزني وزناها النظر ، واللسان يزني وزناه النطق ، والرجل تزني وزناها الخطى ، واليد تزني وزناها البطش ، والقلب يهوى ويتمنى ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه ) . فبدأ بزني العين لأنه أصل زنا اليد والرجل والقلب والفرج . ونَبَّه بزني اللسان بالكلام على زنى الفم بالقُبَل . وجعل الفرج مصدقاً لذلك إن حقق الفعل ، أو مكذباً له إن لم يحققه . قال : وهذا الحديث من أبين الأشياء على أن العين تعصي بالنظر ، وأن ذلك زناها ، ففيه رد على من أباح النظر مطلقاً . ا.هـ .
  • وأما النظر بغير قصد من الناظر فلا يعاقب عليه إذا لم يتعمده القلب ، فإذا أتبعه نظراً آخر أثم ، روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن جرير رضي الله عنه قال : (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري ) قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وروى أحمد وأبو داود والترمذي عن بريدة رضي الله عنه ، أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : (يا عليّ ، لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى ، وليست لك الآخرة ) قال الترمذي : حسن غريب . ففي هذين الحديثين دليل على أنه إذا صرف النظر في الحال فلا إثم عليه ، وإن استدام النظر أثم . وفي ( باب نظر الفجأة ، وما كره من النظر ) من ( كتاب الورع ) للإمام أحمد بن حنبل رواية أبي بكر أحمد بن محمد المروذي عنه ما نصه : قلت لأبي عبد الله [يعني : الإمام أحمد] : رجل تاب وقال : لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية ، غير أنه لا يدع النظر ، قال : أي توبة هذه ؟! قال جرير : ( سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري)" انتهى .

"فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله" (10/16-18) .




.
...تابع القراءة

السؤال:
ما حكم نظام التأمين فى الشرع؟ و هل التأمين على الحياة و الصحة و كذلك البيت والسيارة جائز شرعا؟ وهل العمل بشركات التأمين جائز أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فمن المعلوم أن عقد التأمين حديث النشأة، فقد ظهر في القرن الرابع عشر الميلادي في إيطاليا في صورة التأمين البحري، والتأمين أو ما يعرف باسم السوكره نوعان:
  • النوع الأول: تأمين تعاوني: وهو أن يتفق عدة أشخاص على أن يدفع كل منهم اشتراكاً معيناً لتعويض الأضرار التي قد تصيب أحدهم إذا تحقق خطر معين، وهو قليل التطبيق في الحياة العملية.
  • النوع الثاني: تأمين بقسط ثابت: وهو أن يلتزم المؤمَّن له مبلغاً ثابتاً يدفع إلى المؤمِّن (شركة التأمين) يتعهد المؤمِّن بمقتضاه دفع مبلغ معين عند تحقق خطر معين، ويدفع العوض إما إلى مستفيد معين أو ورثته أو شخص المؤمن له، وهذا العقد من عقود المعاوضات.
والنوع الأول من عقود التبرعات، فلا يقصد المشتركون فيه الربح من ورائه، ولكن يقصد منه المواساة والإرفاق، وهو من قبيل التعاون على البر، وهذا النوع جائز، وقليل من يفعله.

وأما التأمين بقسط، فهو المتداول بكثرة، كالتأمين لدى الشركات المختصة به على الحياة أو السيارات أو المباني أو الصحة وغير ذلك. وعقد التأمين هذا يعتبر عملية احتمالية، لأن مقابل القسط ليس أمراً محققا، لأنه إذا لم يتحقق الخطر فإن المؤمِّن لن يدفع شيئاً ويكون هو الكاسب، وإذا تحقق الخطر المبرم عليه العقد فسيدفع المؤمن إلى المؤمن له مبلغاً لا يتناسب مع القسط المدفوع.

وإذا كان عقد التأمين بهذا الوصف، تعين علينا أن نعود إلى صورة الضمان في أحكام الفقه الإسلامي لنحتكم إليه في مشروعية هذا العقد أو مخالفته لقواعد الضمان الإسلامي.
فمن المعروف في الشريعة الغراء أنه لا يجب على أحد ضمان مال لغيره بالمثل أو بالقيمة إلا إذا كان قد استولى على هذا المال بغير حق أو كان أضاعه على صاحبه أو أفسد عليه الانتفاع به بحرق أو هدم أو غرق أو نحو ذلك من أسباب الإتلافات، أو كان ذلك عن طريق الغرر أو الخيانة، أو كفل أداء هذا المال، ولا شيء من ذلك بمتحقق في عقد التأمين بقسط (التأمين التجاري)، حيث يقضى عقد التأمين أن تضمن الشركة لصاحب المال ما يهلك أو يتلف، أو عند حدوث الوفاة بحادث، كما أن المؤمِّن لا يعد كفيلاً بمعنى الكفالة الشرعية، وتضمين الأموال بالصورة التي يحملها عقد التأمين محفوف بالغبن والحيف والغرر.
ولا تقر الشريعة كسب المال بأي من هذه الطرق وأشباهها، لأنها لا تبيح أكل أموال الناس بغير الحق، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" النساء (29) ، وإنما تبيح العقود التي لا غرر فيها ولا ضرر بأحد الطرفين، وفي عقد التأمين غرر وضرر محقق بأحد الطرفين، لأن كل ما تعمله شركة التأمين أنها تجمع الأقساط من المتعاقدين معها، وتحوز من هذه الأقساط رأس مال كبير، تستثمره في القروض الربوية وغيرها، ثم تدفع من أرباحه الفائقة الوفيرة ما يلزمها به عقد التأمين عن تعويضات الخسائر، التي لحقت بأموال المؤمن لهم ، مع أنه ليس للشركة دخل في أسباب هذه الخسائر، لا بالمباشرة ولا بالتسبب، فالتزامها بتعويض الخسارة ليس له وجه شرعي، كما أن الأقساط التي تجمعها من أصحاب الأموال بمقتضى العقد لا وجه لها شرعاً، وكل ما يحويه عقد التأمين من اشتراطات والتزامات فاسد، والعقد متى اشتمل على شرط فاسد كان فاسداً، والمراد من الغرر هنا المخاطرة، وهذا هو المتوفر في عقد التأمين، وهو في الواقع عقد بيع مال بمال، وفيه غرر فاحش، والغرر الفاحش يؤثر على عقود المعاوضات المالية باتفاق الفقهاء، ومع هذا كله ففي هذا العقد تعامل بالربا الذي فسره العلماء بأنه زيادة مال بلا مقابل في معاوضة مال بمال. والفائدة في نظام التأمين ضرورة من ضروراته، فالربا معتبر في حساب الأقساط، حيث يدخل سعر الفائدة، وعقد التأمين عبارة عن الأقساط مضاف إليها فائدتها الربوية، وتستثمر أموال التأمين في الأغلب بسعر الفائدة بإقراضها، وهذا ربا.
وفي معظم حالات التأمين (تحقق الخطر أو عدمه) يدفع أحد الطرفين قليلاً ويأخذ كثيراً، أو يدفع ولا يأخذ، وهذا عين الربا، لأنه كما قلنا مال بمقابل مال فيدخله ربا الفضل والنسيئة.
وفي حالة التأخير في سداد قسط يكون المؤمن له ملزماً بدفع فوائد التأخير، وهذا ربا النسيئة، وهو حرام شرعاً بإجماع أهل العلم.
وعقد التأمين يفُضي إلى استهتار الناس المؤمن لهم بالأموال، وعدم مبالاتهم بها حيث يعلمون أن شركات التأمين ستدفع لهم عند حدوث حادث، وفي هذا إتلاف للأموال والأنفس، فتعم الفوضى واللامبالاة.
ولهذه الأسباب فقد اجتمعت قرارات المجامع الفقهية على تحريم التأمين بصوره المذكورة سابقاً، باستثناء التأمين التعاوني، من حيث هي عقود، بغض النظر عن الشيء المؤمَّن عليه. علماً بأن التأمين على الحياة يزيد على غيره بخصلة سيئة، ألا وهي الاعتماد على شركة التأمين بدلاً من التوكل على الله في تدبير شؤون الرزق والمعاش للشخص ولذريته… وفي هذا ما فيه من إفساد القلوب، والغفلة عن الله، وترك سؤاله واللجوء إليه في الشدائد.. وكل هذا مما يعرض إيمان الشخص لخطر عظيم، ولهذا أيضاً فإن العلماء الذين أباحوا بعض أنواع التأمين لم يجيزوا التأمين على الحياة، لما ذكرنا. والمسلم مسئول أمام الله تعالى عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع … ومنها، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه……) رواه الترمذي، فواجب على المسلمين الالتزام بالمعاملات التي تقرها الشريعة الإسلامية والابتعاد عن المعاملات المحرمة.
وأما العمل بشركات التأمين فحكمه يتوقف على نوع التأمين من حيث الحل والحرمة ، فما كان منه جائز جاز العمل فيه، وما كان حراماً فلا يجوز العمل فيه.
والله تعالى أعلم.
المفتـــي: مركز الفتوى
أنضر أيضا-------------------->>>>>>>>>>>
حقيقة التأمين وحكمه
ما حكم التأمين التجاري المنتشر اليوم ؟.

الجواب :

التأمين على الحياة
هل يجوز التأمين على حياتي من أجل تأمين عائلتي ماديا بعد مماتي مع بيان أدلة جوابكم .
الجواب :

الحمد لله
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن التأمين على الحياة فقال :

التأمين على الحياة والمُمْتَلَكَات مُحَرَّم ، لا يجوز ، لِمَا فيه من الغَرَر والرِّبا ، وقد حَرَّم الله عز وجل جميع المعاملات الربوية ، والمُعَامَلاتِ التِي فيها الغَرَر ، رَحْمَةً للأمّة ، وحِمَايَةً لها مِمّا يَضُرها ، قال الله تعالى : ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الغرر . وبالله التوفيق .



.
...تابع القراءة